صفحة: 72
قصر الحمراء لقد قرأت كثيرا عن الأندلس وعن مدنها الكبرى … وقرأت أكثر عن قصر الحمراء ... وما كنت أظن أن ما كتبه الكاتبون وبحثه الباحثون إلا ألوانا من المبالغة ... حتى قضيت بعض ساعات في هذا القصر … أتأمل نقوشه وزخارفه … غرفه الكبيرة وقاعاته ، جناته وحدائقه ، فناءه وساحاته . والواقع أن عبقرية العربي تتجلى هنا في أكمل صورها ، فهذه النقوش العربية التي خلدت مع الأجيال ، وهذه الجدران المموهة بالزخارف الذهبية الرائعة التي تثير العجب وتأخذ بمجامع القلب والعين ، إن الوصف لا يغني … ولا بد لمن يريد أن يتعرف إلى قصور الحمراء أن يزورها . كان صباح ذلك اليوم الذي زرت فيه قصر الحمراء من الأيام العاصفة الباردة ، وكانت ذرات الثلج تتناثر في الفضاء . وما كانت برودة الجو ولا انهمار الثلوج لتحول دون زيارة هذه الأماكن التي جئتها من مسافات بعيدة ، وما كانت إسبانيا على ما فيها من روائع لتجذبني لولا الأندلس ، لولا غرناطة وقرطبة وغيرهما وما ضمته من أمجاد ولولا قصر الحمراء وجنة العريف . لم أركب السيارة التي قد أعدت بل حرصت أن أتخبط في هذه الدروب على قدمي لأتمتع أكثر بشوارع غرناطة وأزقتها وبيوتها ولأستمتع أكثر بجو المدينة التي كتبت عنها المجلدات ، لا لشيء إلا لأنها تضم قصر الحمراء . الطريق المؤدية إلى القصر ساحرة ، فقد قامت على جوانبها الأشجار الباسقة . إنني في الحمراء ، أقلعة هي ، أم قصر أم عدة قصور ? إنها قلعة وقصور وحدائق قامت على هضبات تحيط بها قمم عالية شديدة الانحدار ، وقد حصن القصر بأسوار غطيت بالمرمر ، وسميت " الحمراء" لأن أسوارها وجدرانها تضرب إلى الحمرة ، وربما جاءت هذه التسمية من لون التربة التي قامت عليها . ومعظمها مبني من الخزف والكلس والحصى .
|