صفحة: 73
كان من أول أمرہ لا يحفل بما يلقى من الأمر في سبيل أن يستكشف ما لا يعلم . وكان ذلك يكلفه كثيرا من الألم والعناء . ولكن حادثة واحدة حدت ميله إلى الاستطلاع ، وملأت قلبه حياء لم يفارقه إلى الآن . كان جالسا إلى العشاء بين أفراد عائلته ، وكان يأكل كما يأكل الناس . ولكن لأمر ما خطر له خاطر غريب ! ما الذي يقع لو أنه أخذ اللقمة بكلتا يديه بدل أن يأخذها كعادته بيد واحدة ? وما الذي يمنعه من هذہ التجربة ? لا شيء . إذ ً ا فقد أخذ اللقمة بكلتا يديه وغمسها بالطبق المشترك ثم رفعها إلى فمه . فأما إخوته فأغرقوا بالضحك . وأما أبوه فقال في صوت هادئ حزين : " ما هكذا تؤخذ اللقمة يا بني . " وأما هو فلم يعرف كيف قضى ليلته . ثم حرم على نفسه من ألوان اللعب والعبثُ كل شيء ، إلا مالايكلفه عناء ولايعرضه للضحك والإشفاق . فكان أحب اللعب إليه أن يجمع طائفة من الحديد وينتحي بها زاوية من البيت ، فيجمعها ويفرقها ويقرع بعضها ببعض . ينفق في ذلك ساعات ، حتى إذا سئمه وقف على إخوته أو أترابه وهم يلعبون ، فشاركهم فياللعب بعقله لابيدہ . وبذلك عرف أكثر ألوان اللعب دون أن يأخذ منها بحظ . وانصرافه هذا عن العبثُ حبب إليه لون ً ا من ألوان اللهو ، هو الاستماع إلى القصص والأحاديثُ؛ فكان أحب شيء إليه أن يسمع إنشاد الشاعر ، أو حديثُ الرجال إلى أبيه والنساء إلى أمه ، ومن هنا تعلم حسن الاستماع . وكان أبوه وطائفة من أصحابه يحبون القصص حبا جما ، فإذا صلوا العصر اجتمعوا على واحد منهم يتلو عليهم قصص الغزوات والفتوح ، وأخبار عنترة والظاهر بيبرس وأخبار الأنبياء
|