صفحة: 23
العليا عالم رائع من الأشكال والألوان؛ أقب ِ ية هائلة الارتفاع تتوزع فيها الأغوار والصواعد والهوابط والأعمدة . عالم مدهش من المنحوتات الصخرية المتدرجة الألوان : بيضاء جيرية ، وصفراء ووردية ، وضاربة إلى الزرقة ، وبنية فاتحة . مضينا نتلفت مذهولين من روعة الأشكال . قطعنا ممشى ووقفنا في شرفات تطل على أغوار سحيقة . صعدنا درجا بارتفاع عدة طوابق ، ورحنا نطل على المكان صامتين . لم يكن هناك غير صوت أنفاسنا وهمس بعض الزائرين ، وصوت قطرات الماء الأزلية التي تقطر في كل مكان ساقطة من سقف المغارة . ورغم الرطوبة الباردة والممرات المبتلة دائما ، إلا أن المغارة العليا تسمى المغارة الجافة ، لأن النهر لا يجري في باطنها ، بل في باطن المغارة السفلى التي تتصل بها عبر جرف عميق ، كنا نطل عليه من أعلى فنسمع صوت النهر ولا نراه . تمتد المغارة العليا مسافة 2130 مترا ، لكن المسافة التي يسمح باجتيازها لا تتجاوز ثـلثها ، وهي الجزء المؤمن والمكشوف بالأضواء ، والمجهز بالممرات المبلطة ، والسلالم الحديدية المثبتة جيدا في جوانب المغارة . المغارة السَفلى غادرنا المغارة العليا ودخلنا مسرحا صغيرا قبالتها ، وشاهدنا فيلما عن تاريخ المغارة ومكوناتها . إن تاريخ تكوين الـمغارة يعود إلى ملايين السنين . والمغارة العليا أقدم من المغارة السفلى . لكن المغارة السفلى هي التي اكتشفت أولا إذ إنها اكتشفت في سنوات الثلاثين من القرن التاسع عشر ، عندما دخلها المراسل الأمريكي " وليام طومسون" وسار داخلها مسافة خمسين مترا ، ثم أطلق النار من بندقية صيد كان يحملها؛ فأدرك بواسطة صدى صوت العيار الناري أن للمغارة امتدادا جوفيا
|