صفحة: 149

ذلك المكان وقد استغرقت في النوم وتلذذت بذلك النسيم الطيب والروائح الزكية ، ثم إني قمت فلم أجد أحدا لا من التجار ولا من البحرية ، فتركوني في الجزيرة وقد التفت فيها يمينا وشمالا فلم أجد بها أحد غيري ، فحصل عندي قهر شديد لما أنا عليه من الغم والحزن والتعب ولم يكن معي شيء من حطام الدنيا ولا من المأكل ولا من المشرب وصرت وحيدا ، وقد تعبت في نفسي ويئست من الحياة وبعد ذلك قمت وتمشيت في الجزيرة يمينا وشمالا وصرت لا أستطيع الجلوس في محل واحد ، ثم إني صعدت على شجرة عالية وصرت أنظر من فوقها يمينا وشمالا فلم أر غير سماء وماء وأشجار وأطيار وجزر ورمال ، ثم حققت النظر فلاح لي في الجزيرة شيء أبيض عظيم الخلقة ، فنزلت من فوق الشجرة وقصدته وصرت أمشي إلى ناحيته ، ولم أزل سائرا إلى أن وصلت إليه وإذا به قبة كبيرة بيضاء شاهقة في العلو ، كبيرة الدائرة فدنوت منها ودرت حولها فلم أجد لها بابا ، ولم أجد لي قوة ولا حركة في الصعود عليها من شدة النعومة فعلمت مكان وقوفي ودرت حول القبة متفكرا في الحيلة الموصلة إلى دخولها وقد قرب زوال النهار وغروب الشمس وإذا بالشمس قد خفيت ، والجو قد أظلم ، واحتجبت الشمس عني ظننت أنه جاء على الشمس غمامة ، وكان ذلك في زمن الصيف فتعجبت ورفعت رأسي وتأملت في ذلك فرأيت طيرا عظيم الخلقة ، كبير الجثة ، عريض الأجنحة طائرا في الجو وهو الذي غطى عين الشمس ، وحجبها عن الجزيرة فازددت من ذلك عجبا . ثم إني تذك ّرت حكاية أخبرني بها قديما أهل السياحة والمسافرون وهي أن في بعض الجزائر طيرا عظيما يقال له الرخ يزق أولاده بالأفيال ، فتحققت أن القبة التي رأيتها إنما هي بيضة من بيض الرخ ، ثم إني تعجبت من خلق الله تعالى فبينما أنا على هذه الحالة وإذا بذلك الطير نزل على تلك القبة ، وحضنها بجناحيه وقد مد رجليه من خلفه على الأرض ونام عليها فعند ذلك فككت عمامتي من فوق رأسي وثنيتها وفتلتها حتى صارت مثل الحبل ، وتحزمت بها وشددت وسطي وربطت نفسي في رجلي ذلك الطير وشددتها شدا وثيقا ، وقلت في نفسي لعل هذا يوصلني إلى بلاد المدن والعمار ويكون ذلك أحسن من جلوسي في هذه الجزيرة ، وبت تلك الليلة ساهرا خوفا من أن أنام فيطير بي على حين غفلة . فلما طلع الفجر وبان الصباح قام الطائر من على بيضته وصاح صيحة عظيمة وارتفع بي إلى الجو حتى ظننت أنه وصل إلى عنان السماء ، وبعد ذلك تنازل بي حتى نزل إلى الأرض وحط على مكان مرتفع عال ، فلما وصلت إلى الأرض أسرعت وفككت الرباط من رجليه وأنا أنتفض . ثم إني تمشيت في ذلك المكان فوجدت نفسي في مكان عال وتحته واد كبير واسع عميق وبجانبه جبل عظيم شاهق في العلو لا يقدر أحد أن يرى أعلاه من فرط علوه ، وليس لأحد قدرة على الطلوع فوقه فلمت نفسي على ما فعلته ، وقلت يا ليتني مكثت في الجزيرة فإنها أحسن من هذا المكان القفر فأنا كل ما أخلص من مصيبة أقع فيما هو أعظم منها وأشد . ثم إني قمت وقويت نفسي ومشيت في ذلك الوادي فرأيت أرضه من حجر الألماس الذي يثقبون به المعادن والجواهر . ولم أزل في تلك الجزيرة آكل من أثمارها ، وأشرب من أنهارها مدة من الزمان ، وأنا أترقب مركبا يمر علي ؛ إلى أن كنت جالسا يوما من الأيام متفكرا فيما جرى لي وما كان من أمري ، وأقول في نفسي يا ترى هل يبقيني الله سالما ، ثم أعود إلى بلادي وأجتمع بأهلي وأصحابي ! وإذا بمركب قد أقبل من وسط البحر العجاج المتلاطم بالأمواج ، ولم يزل سائرا حتى رسا على تلك الجزيرة ، وطلع منه الرك ّاب إلى الجزيرة فمشيت إليهم ، فلما نظروني أقبلوا علي كلهم مسرعين واجتمعوا حولي ، وقد سألوني عن حالي وما سبب وصولي إلى تلك الجزيرة فأخبرتهم بأمري وما جرى لي ، فتعجبوا من ذلك غاية العجب ، ورحبوا بي وأخذوني معهم وساروا وكل واحد منهم معه مخلاة مثل المخلاة التي معي مملوءة زلطا . ولم نزل سائرين إلى أن وصلنا إلى واد واسع فيه أشجار كثيرة عالية لا يقدر أحد على أن يطلع عليها ، وفي تلك الوادي قرود كثيرة . فلما رأتنا هذه القرود نفرت منا ، وطلعت تلك الأشجار فصاروا يرجمون القرود بالحجارة التي معهم في المخالي ، والقرود تقطع من ثمار تلك الأشجار وترمي بها هؤلاء الرجال ، فنظرت تلك الثمار التي ترميها القرود ، وإذا هي جوز هندي ، فلما رأيت ذلك العمل من القوم اخترت شجرة عظيمة عليها قرود كثيرة وجئت إليها ، وصرت أرجم هذه القرود فتقطع ذلك الجوز وترميني به ، فأجمعه

מטח : המרכז לטכנולוגיה חינוכית


 لمشاهدة موقع كوتار بأفضل صورة وباستمرار