صفحة: 36

- إذا أنا لست مخطئا يا سيدي ، وموعدك مع السيد رئيس مجلس الإدارة الذي أوصانا باستقبالك بحفاوة تليق بمقامك . ذهب سعيد مع الموظف وهو مشدوه ، فدخل إلى مكتب رئيس مجلس الإدارة الفخم ؛ وما أن عرف موظف الاستعلامات عنه حتى نهض جميع من في المكتب احتراما له ، لم يصدق سعيد ما يرى ولم يفهم ما الذي يحدث ، وكان متيقنا أن هناك لبسا قد حصل ، وسرعان ما سيدرك الجميع هذا اللبس ، وسيطرد شر طردة فلو كان ابن وزير لما استقبل بهذه الحفاوة . انتظر سعيد عدة دقائق ، ثم طلبت منه السكرتيرة الدخول فدخل إلى المكتب الفخم ، ورأى رئيس مجلس الإدارة جالسا وما أن رآه الأخير حتى نهض عن كرسيه ، وجاء إلى سعيد وأخذه بالأحضان وهو يقول : - أهلا بك ، أهلا بالعزيز الغالي ، أهلا بالحبيب . تلعثم سعيد وقال : - أشكرك يا سيدي على هذه الحفاوة ، ولكن أغلب الظن أنك تحسبني شخصا آخر ، فأنا لم أتشرف بلقائك من قبل ، ولم أرك سوى في الجرائد والمجلات . ابتسم الرجل وذهب إلى درج مكتبه ، وأخرج صورة قديمة صغيرة ؛ وأراها لسعيد الذي بهت لرؤيتها كأنه قد ضربته الصاعقة ، فقال وهو يكاد يصرخ : - هذه صورة المرحوم أبي ! من أين لك بها ، هل كنت تعرفه؟ قال الرجل : - المرحوم ؟ هل مات هذا الرجل الطيب ؟ رحمه الله وغفر له وجعل مثواه الجنة . قال سعيد : - ولكني لا أفهم .. فمن أين لأحد كبار أثرياء البلد أن يعرف أبي ، وهو رجل متواضع جدا ، عاش مستورا حتى آخر يوم في حياته؟ قال الرجل : - دعني أخبرك بالحكاية منذ البداية ، فمنذ سنوات عديدة كنت ما زلت شابا في مقتبل العمر ، ولكني كنت مثلك دون واسطة ودون نقود ، وفي أحد الأيام كنت أريد أن أتقدم بطلب وظيفة مثلما تفعل أنت الآن ، ولكن المشكلة أني لم أمتلك أي نقود كي أذهب بها إلى المدينة التي تعرض الوظيفة ، فجلست حائرا مهموما في محطة الباصات ، ولا أدري من أين أحصل على ثمن التذكرة ، وكان يجلس إلى جانبي شاب آخر سألني عن سبب حزني فأخبرته بما يحدث معي ، فمد يده في جيبه وأخرج محفظته ؛ وأخرج منها كل ما فيها من نقود وأعطاني إياها ، استغربت وأخبرته أني لا أستطيع قبولها ، ولكن بعد إصراره الشديد أخذتها ، وسألته كيف أردها له ؟ فأخبرني أنه لا يريدها ، ولكن إذا من الله علي فيجب أن أجعلها صدقة جارية ؛ أن أساعد كل يوم شخصا محتاجا دون أن أعرف من هو .. فقلت له : أخبرني اسمك على الأقل ؟ فقال لي : إن اسمه وحيد فريد ويلقبه أصدقاؤه بأبي سعيد ، وعندما تركته وذهبت ؛ وجدت أنه نسي صورة له بين النقود ، فاحتفظت بها ذكرى عن هذا الرجل الكريم ، ومضيت إلى المدينة وتوظفت وترقيت وأسست شركتي الخاصة ، وازدهرت أعمالي وبحثت عن والدك في كل مكان فلم أجده ، وأقسمت أن أحفظ أمانته ما حييت . ومن يومها وأنا أساعد كل يوم شخصا لا أعرفه ، فتارة أجلس في محطات الباص ، وتارة في المساجد ودور العبادة ، وتارة في المستشفيات ، ويشهد الله أنه لم يمض يوم واحد إلا وقد ساعدت محتاجا ، وكلما شكرني قلت له عليك أن تشكر أبا سعيد ، فلولاه لما كنت قادرا على مساعدتك . فاعلم

מטח : המרכז לטכנולוגיה חינוכית


 لمشاهدة موقع كوتار بأفضل صورة وباستمرار