صفحة: 36
كيف ولدت دولة الرفاه الحديثة؟ دولة الرفاه الحديثة هي إحدى الظواهر الاجتماعية – السياسية المهمة في عصرنا . المصطلح " دولة الرفاه " هو مصطلح حديث نسبيا ، وهو مستعمل منذ حوالي 50 سنة فقط . الثورة الصناعية وبداية التشريعات في مجال الرفاه كانت بداية دولة الرفاه الحديثة في العمليات التي بدأت تحدث في إنجلترا قبيل نهاية القرن ال ، 18 ثم امتدت إلى دول أخرى في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية . سميت هذه العمليات باسم " الثورة الصناعية " . خلال تلك الفترة بدأ الانتقال البطيء والتدريجي من طرق إنتاج قديمة إلى طرق إنتاج حديثة ، ونتيجة لذلك أقيمت مصانع كبيرة ، وفقد الكثير من أصحاب الحرف المختلفة مصادر رزقهم . وفي الوقت نفسه زاد عدد المدن وزاد عدد سكانها . الكثير من الفلاحين هجروا قراهم إلى المدن وحاولوا الانخراط في الأعمال الصناعية . ظروف عمل جماهير العمال في المدن كانت قاسية جدا – عاشت عائلات كبيرة في اكتظاظ شديد وفي ظروف صحية صعبة بدون تهوئة وبدون إضاءة ، تفشت بين سكان المدن الجدد الأمراض الخطيرة إضافة إلى العنف والإجرام . كما أن ظروف عمل العمال كانت مزرية . وفرة الأيدي العاملة والأجور المنخفضة أنتجت وضعا غير صحي تم فيه استغلال العمال وإذلالهم . مما اضطرهم إلى العمل في ظروف سيئة جدا : يوم عمل مكون من 14–16 ساعة عمل ، أجر متدن ، ظروف عمل خطيرة وما شابه . كما لم يكن العمال مؤمنين ضد حوادث العمل أو المرض ، ومن لم يكن قادرا على العمل تم فصله في الحال . الأجر المنخفض دفع إلى العمل النساء والأولاد كي يساعدوا في إعالة العائلة ، كما أن المشغلين فضلوا تشغيل النساء والأولاد لأن أجورهم كانت متدنية أكثر . أمام واقع استغلال العمال ، قام مفكرون ممن ادعوا بأن المجتمع مسؤول عن كل فرد فيه ، وجابهوا انعدام العدالة المتفشي في المجتمع وطالبوا بإصلاح الوضع . من أهم هؤلاء المفكرين كان روبرت أووين ، وكارل ماركس ، وفريدريخ إنجلز . في تلك الفترة بدأت أوروبا بتوسيع حق الانتخاب . حتى ذلك الوقت لم يمنح الحق الانتخاب أو الترشح لجميع السكان ، بل اقتصر على مجموعات صغيرة من أصحاب الأملاك والمثقفين . منح حق الانتخاب لطبقات واسعة من الناس ، زاد من تعلق رجال السياسة بالناخبين ، وقد اضطر هؤلاء إلى بذل الجهود من أجل إعادة انتخابهم . من بين ما اضطروا إلى القيام به الاستجابة لطلبات الناخبين بتعديل القوانين . كان التشريع الأبرز في مجال العمل والرفاه . كما أن أحزاب العمال التي أقيمت في تلك الفترة طمحت إلى تحسين مكانة العمال وتعديل النظام الاجتماعي بواسطة سن القوانين . في بريطانيا وفي ألمانيا اللتين كانتا أكثر دولتين صناعيتين في أوروبا ، سنت لأول مرة قوانين عمل ورفاه . في سنة 1833 صادق البرلمان في بريطانيا على " قانون المصانع " ، القانون الذي منع تشغيل الأولاد الذين لم يبلغوا 9 سنوات وحدد يوم العمل للأولاد ما بين 9–13 سنة ب 9 ساعات ، ولأبناء الشبيبة ممن تجاوز سنهم ال 12 ب 13 ساعة . قانون مشابه سن في ألمانيا أيضا . اتسع سن قوانين الرفاه وامتد ، ثم كانت بريطانيا أول دولة سنت " قانون صحة الجمهور " ( سنة . ( 1875 في سنة 1881 سن لأول مرة ، في ألمانيا ، قانون اجتماعي ضمن الحماية من البطالة والحوادث والمرض والتقاعد . لم يسن هذه القوانين في ذلك الوقت مستشار ألمانيا ، أوتو فون بسمارك ، من منطلق الحرص على رفاه المواطنين ، بل في الأساس من أجل مواجهة تنامي قوة أحزاب العمال ، ومن أجل توطيد أركان حكمه . في النصف الثاني من القرن ال 19 بدأت دول أوروبا تخصص الميزانيات لإقامة جهاز تعليم عام يستطيع كل مواطن في القرية وفي المدينة الدراسة فيه . لم يعد التعليم في المدرسة الابتدائية مقتصرا على نخبة قليلة من أصحاب الأملاك وتحول بشكل تدريجي إلى تعليم إلزامي . في المقابل ، لم تعمل الحكومة وحدها من أجل رفاه المواطنين؛ فقد بدأت السلطات المحلية في تحسين جودة حياة مواطنيها . أقيمت في المدن الرئيسية أجهزة صحة ، حدائق عامة ، ملاعب ، كما تمت إنارة الشوارع وتزويد المواطنين بالغاز وشبكة مواصلات عامة ، كما أقيمت مؤسسات عامة كالمستشفيات والمدارس والمسارح . ولكي تمول السلطات المحلية هذه المشاريع ، فرضت على المواطنين ضرائب مختلفة؛ وهكذا بدأت تتبلور دولة الرفاه الحديثة . 1 روبرت أووين ( 1771–1858 ) آمن بالتعليم كوسيلة لتغيير وجه المجتمع . طبق أفكاره في مصنع الأقمشة الذي كان يديره في اسكتلندا . كارل ماركس ( 1818–1893 ) وفريدريخ إنجلز ( ، ( 1820–1895 آباء الاشتراكية ، كتبا معا " البيان / المنيفست الشيوعي " ( ، ( 1848 وفيه ناديا بحرب طبقات العمال ضد أصحاب رؤوس الأموال . وذلك من أجل تكوين مجتمع جديد تسوده المساواة وتلغى فيه الفروق بين الطبقات ، وينتهي الاستغلال الاجتماعي .
|