صفحة: 169
نظر في بعينيه الزرقاوين ، وأشعل سيجارة وأطفأها ، ثم قال : " تعال ، " واقتادني إلى غرفة كتب على بابها " المدير ، " وإذ برجل ضامر أي نحيف ، أبيض الشعر ، يلبس نظارة ، واقف يتحدث مع أحد التلاميذ . كانت الشمس تملأ غرفته الصغيرة ، مما خفف عني ، لسبب ما ، رهبة اللقاء أي خوف لقاء المدير الذي طالما حدثني عنه أخي وكأنه يتحدث عن شخص أسطوري . قال المعلم جبور : " فضيل أفندي ، هذا الولد أخو يوسف إبراهيم أتذكره ? كان الأول في صفه ، وكنت تنوي ترفيعه صفا أو صفين . " ! صرف فضيل أفندي التلميذ الذي عنده ، وأجاب بصوت رفيع ، بلهجة غير تلحمية أي من بيت لحم ( كنت أعرف أنه من الناصرة ، كما كان المعلم جبور من أم الفحم ، إحدى قرى الناصرة : ( " أذكره ، أذكره ... أين صار هذا الولد . " ? أجاب المعلم : " إنه الآن يشتغل ليساعد أهله ، ولا شك . أرجو أن توافق على قبول أخيه عندنا . " تأملني بنظرة فاحصة ، وأنا لم أنطق بكلمة بعد ، ثم التقط كتابا وفتحه كيفما اتفق ، ودفعه إلي مفتوحا ، وقال : " اقرأ من أول الصفحة . " ! بشفتين جافتين قرأت ثلاثة أسطر أو أربعة ، والمدير والمعلم يصغيان ويهزان رأسيهما ، ثم قال فضيل أفندي : "يكفي ، يكفي . " ووجه كلامه للمعلم : "مثل أخيه " ? فابتسم المعلم : "على الأرجح . " - " الصف الثالثُ " ? - " معقول . " وفجأة استدار المدير حول منضدته ، وجلس ، وأخرج من الدرج دفترا ، وقلب بعض أوراقه ، ثم أخرج قلم الحبر من عبه وسألني : "ما اسمك " ? قلت : "جبرا إبراهيم . " - " عال . وعمرك " ? - " تسع سنوات . " سجل ذلك في دفتره ، ثم نهض وقال " : تفضل ، إلى صفك ، الصف الثالثُ . " وكنت على وشك الطيران من الباب فرحا ، حين أوقفني عند العتبة قائلا بصوت عال " : اسمع ! شعرك ما زال طويلا ... غدا تأتينا وقد قصصته بالماكينة مرة أخرى . هل فهمت " ?
|