صفحة: 72

أنا أقيم ذاتي مقتطفات من كتاب الأيام لطه حسَين يروي طه حسين في كتاب الأيام قصة حياته مركزا على طفولته في قريته . فيما يلي عرض لمقتطفات من كتاب الأيام لطه حسين . لا يذكر لهذا اليوم اسما ، ولا يستطيع أن يضعه حيثُ وضعه الله من الشهر والسنة ، بل لا يستطيع أن يذكر من هذا اليوم وقتا بعينه ، وإنما يقرب ذلك تقريبا . وأكبر ظنه أن هذا الوقت كان يقع من ذلك اليوم في فجرہ أو عشائه . يرجح ذلك لأنه يذكر أن وجهه تلقى في ذلك الوقت هواء ً ، فيه شيء من البرد الخفيف الذي لم تذهب به حرارة الشمس . ويرجح ذلك لأنه على جهله حقيقة النور والظلمة ، يكاد يذكر أنه تلقى حين خرج من البيت نورا هادئا خفيفا لطيفا كأن الظلمة تغشى بعض حواشيه . ثم يرجح ذلك لأنه يكاد يذكر أنه حين تلقى هذا الهواء و هذا الضياء لم يأنس من حوله حركة يقظة قوية ، وإنما آنس حركة مستيقظة من نوم مقبلة عليه . كان سابع ثلاثة عشر من أبناء أبيه ، وخامس أحد عشر من أشقائه . وكان يشعر بأن له بين هذا العدد الضخم من الشباب والأطفال مكانا خاصا يمتاز عن مكان إخوته وأخواته . أكان هذا المكان يرضيه ? أكان يؤذيه ? الحق أنه لا يتبين ذلك إلا في غموض وإبهام . والحق أنه لا يستطيع الآن أن يحكم في ذلك حكما صادقا . كان يحس من أمه رحمة ورأفة ، وكان يجد من أبيه لينا ورفقا .... وكان احتياط إخوته وأخواته يؤذيه ، لأنه كان يجد فيه شيئ ً ا من الإشفاق مشوب ً ا بشيء من الازدراء . على أنه لم يلبثُ أن تبين سبب هذا كله؛ فقد أحس أن لغيرہ من الناس عليه فضلا ، وأن إخوته وأخواته يستطيعون ما لا يستطيع ، وينهضون من الأمر لما لا ينهض له . وأحس أن أمه تأذن لإخوته وأخواته في أشياء تحظرها عليه ، وكان ذلك يحفظه . لكن لم تلبثُ هذہ الحفيظة أن استحالت إلى حزن صامت عميق؛ ذاك أنه سمع إخوته يصفون ما لا علم له به ، فعلم أنهم يرون ما لا يرى .

מטח : המרכז לטכנולוגיה חינוכית


 لمشاهدة موقع كوتار بأفضل صورة وباستمرار