صفحة: 85
نقرأ هيطلية في صباح أحد الأيام ، بعد أن ذهب أخي إلى المدرسة ، طرقت بائعة الحليب بابنا ، فاشترت أمي منها عدة أوقيات ، غرفتها البائعة بالكيلة ، ثم صبتها في الطنجرة . قالت أمي : " سأعمل لك هيطلية؛ أرزا بالحليب . " ! فرحت وشعرت أن هذا حدث مهم ، لأن أمي تقول إنه لا قدرة لنا على شراء الحليب إلا في المناسبات وعند الضرورات . بقيت مع أمي وجدتي لأرقب طبخة الهيطلية ، ولكن صياح أولاد الحارة كان يصل أذني ، فصعدت إلى الطابق العلوي لأنظر من السطح المكشوف إلى الصبية يلعبون في الحارة . ويبدو أنني أمضيت وقتا أناديهم وينادونني ، لأنني عندما نزلت لأرى كيف يجري طبخ الهيطلية ، كانت جدتي قد انتهت من تحضير الأكلة اللذيذة . صبتها أمي في قصعة ، ووضعتها على الأرض في الركن ، وقالت : " نتركها ساعتين لتبرد . سأعطيك منها قليلا عند الظهر ، ولكننا سنحتفظ بها للعشاء ، عندما يعود أبوك من الشغل ، فهو مثلك يحب الهيطلية . " أوصتني أمي بألا أكثر من الخروج والدخول ، وبأن أكون عاقلا ، ريثما تذهب مع جدتي إلى السوق لشراء الخضرة ، وقالت : " إذا خرجت ، أغلق الباب وراءك جيدا ، ولا تسمح لأحد بالدخول . " ما كدت أبقى وحدي حتى تطلعت إلى الأكلة البيضاء الشهية بحرقة . مددت إصبعي إليها ، وذقتها . ما ألذها ! ولكنها ما زالت ساخنة ، وأمي تريدها باردة ، طيب ! فلأخرج إلى الحارة . وأخذت لطعة ً أخرى قبل الخروج . في الشارع ، عند باب الدكان المقابل ، لقيت أحد أصدقائي ، فقلت له : " أمي طبخت لنا اليوم هيطلية . " وعندما تمشينا وراء الجامع التقى بنا صبيان آخران ، وقال لهما صديقي : " أمه طبخت اليوم هيطلية . " وبعد قليل تجمع المزيد من أطفال الحي عند المنعطف يلعبون ، فقلت لهم : " أمي طبخت لنا هيطلية " !
|