صفحة: 33
وجاء أبوه بعد حين ، وكانت المفاجأة فوق ما توقع الفتى . فلم يكد بيرو يفتح باب القبو المظلم ، ويلقي نظرة داخله ، حتى ارتد مذعورا . مسكين ! لقد بدأ يجري هاربا ً من المشهد المخيف الذي فاجأہ ، ومن الروائح الكريهة التي هبت عليه دفعة واحدة . أما " ليوناردو" فقد كاد ينفجر من فرط الضحك ، ولحق بأبيه يصيح به : " ارجع يا أبي . " وقال له أبوه : - ما الذي في القبو ذو الرائحة الكريهة ? - إنه الترس . - والرائحة !! - هي الأصباغ المتعفنة بفعل الرطوبة . عاد الأب مع ابنه إلى القبو ، ووقف أمام الصورة يتأملها بعينين جاحظتين من الرعب ، على الرغم من قناعته التامة بأنها مجرد صورة لا أكثر . والحق أنها كانت مخيفة بالفعل . لقد مثلت رأس حيوان عجيب شبيه بالتنين الخرافي ، ومن منخريه الواسعين كانت تخرج أنفاس بلون لهيب النار . كانت حمرة النار حقيقية لدرجة أن المرء يكاد يشعر بحرارتها . أما الرائحة الكريهة ، فكانت تنبعثُ من جلد ثعابين وضفادع وأنواع مختلفة من الحشرات ، كان " "ليوناردو قد جمعها في القبو كي يستوحي من مجموع أشكالها المثيرة شكلا موحدا ، يساعدہ في تصوير مشاعر الذعر والفزع عند الناظر إليه . كان إعجاب بيرو بما صنع ابنه يفوق حد الوصف . وقد شعر فورا أن تلك التحفة الفنية ستلاقي رغبة شديدة في اقتنائها عند هواة التحف الأثرياء . لذلك قرر أن لا يعيد الترس إلى صاحبه الفلاح ، بل يشتري له ترسا رخيص الثمن عوضا عنه . وهذا ما فعله في الواقع . أما التحفة فقد اشتراها أحد الأثرياء بمئتي قطعة من الفضة . كانت سعادته الكبرى هي مباشرة العمل . ولهذا كان يحرص على إتقان أعماله جميعا ، سواء كانت لوحة فنية ، أم تصميما هندسيا أم غير ذلك . والواقع أن حرصه الشديد على الإتقان ، كان أحد الأسباب التي جعلته يعيش في حالة هي أقرب إلى الفقر منها إلى اليسر ، مع أن هذا لا يناسب أبدا ما بلغه من المهارة والشهرة في أوروبا بأسرها . ولم ينظر إلى حياته هذه بشيء من عدم الارتياح ، لأنه لم يكن يهتم بالمال إلا من أجل توفير ما يحتاج إليه من المواد والأدوات اللازمة لأعماله .
|